
وتشهد “القرقيعان” جولات الأطفال التي لم تعد تقتصر على الحي، فقد توسعت علاقاتهم مع أصدقائهم في مختلف الأحياء والحارات، وأصبح التجول أسهل من ذي قبل، حيث يتحركون في مواكب جوالة على المنازل يطرقون أبوابها ويرفعون أصواتهم بأناشيد القرقيعان المشهورة، مع الدعوات الخاصة بهذه المناسبة.
تنهال على الأطفال الهدايا من الحلوى وكذلك المال، وبانتهاء جولاتهم يعود الأولاد الى المنزل، محملين بنصيبهم الوافر من المكسرات والحلويات والريالات، وقد نال منهم التعب من الدوران على منازل الأحياء.
وصمود هذه العادة الشعبية مع مرور الزمن يؤكد على تأصلها في نفوس أهالي المنطقة، وتمسكهم بها، فقد توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد.
وتستعد الأسر لليلة القرقيعان بإعداد العدة لها، وتزيين المنازل من الداخل والخارج وتجهيز الهدايا التي ستقدم للأولاد.
أصل تسمية القرقيعان
في ليلة النصف من شهر رمضان تتعدد مسمياتها، ففي القطيف تسمى تلك الليلة بـ”الناصفة” ويطلق عليها آخرون (حلوعاد) بمعنى حل وعاد أو حال عليه الحول وعاد باليمن والخير.
وتشتهر أكثر تسمية “الناصفة” بين أهل القطيف والأحساء، حيث يكون احتفالهم بالقرقيعان في ليلة النصف من شعبان، وفي بعض المناطق يكررون الاحتفال في ليلة النصف من رمضان.
كما تختلف المسميات في دول الخليج فيسميها البعض القرقيعان، والبعض الآخر الناصفة أو حل وعاد، أو “كريكشون”، لكن طقوس الاحتفالات تتشابه في مختلف دول الخليج.
صوت الحجارة البحرية
ويوجد فرق بين الناصفة والكريكشون التي يحتفل بها البعض ليلة الخامس عشر من شهر رمضان، فكلمة القرقيعان أو الكركيعان لدى البعض، يشير إلى قرع الأبواب، وقيل من الأصوات الصادرة عن الحلوى والمكسرات عندما تقرقع وتتحرك داخل الخريطة (الكيس) الذي يكون معلقاً على أعناق الأطفال.
وقيل هي صوت الحجارة البحرية يضربون بعضها ببعض أثناء التجوال فتصدر قرقعة كتعبير للفرح بهذه المناسبة السعيدة.
وارجعت بعض المصادر، أصل كلمة كريكعان إلى تحريف لعادة كانت تمارس في عصر العباسيين، وهي الطلب في منتصف الشهر بحداء أقرب إلى الرجز يقول: يا صاحب الـبيت أجر جـوعان يـا ربنا إعطه بيتـاً في عالي الجنان، وكـان الفقراء يقصدون بيت الخليفة وبيوت الوزراء بهذه الأغنية طوال ليل ونهار منتصف رمضان كما ذكـر أبو الفرج الأصفهاني في المجلد الخامس من كتاب “الأغاني”.
تجهيز الهدايا لليلة القريقعان
تشهد محلات الحلويات والمكسرات قبل ليلة القريقعان حركة كثيفة، فتبدأ الأسر بالتحضير للمناسبة بشراء الهدايا المنوعة التي سيوزعونها على الأطفال.
ومن أكثر الهدايا التي توزع على الأطفال في ليلة “الناصفة”، المكسرات من النخيل والفول السوداني “السبال” والجوز والتين المجفف إلى جانب بعض الحلويات، وصولاً الى أكياس البطاطا المصنعة.
وفي الماضي، كانت الأمهات يجهزن أدوات الهدايا بخياطة الأكياس التي تسمى الخريطة ليحملها الأطفال حول رقابهم ويجمعون بها الحلوى والمكسرات.
توزيع الفول السوداني
وكانت جولات الأطفال في الأحياء تقتصر على الصبية، بينما تطوف الفتيات على منازل الجيران القريبة والأقارب فقط، ولا يبتعدن عن المنزل.
وكان الناس في الماضي يكتفون بتوزيع الفول السوداني وبعض الحلويات على الأطفال، قبل أن يتبدل الحال اليوم فبدلاً من “الخريطة” حلت أكياس جاهزة تحتوي تشكيلة منوعة من المكسرات والحلوى تقدم لمن يطرق الباب من الأطفال.
وقديمًا كانت الهدايا أقل وحسب قدرة صاحب المنزل، لكن اليوم بات الجميع يستعد للمناسبة بهدف إدخال الفرحة إلى قلوب الناس وخاصة الأطفال، مع الحرص على وضع سلال للضيافة لمن يأتي لزيارتها من الجارات والأقارب، فالمناسبة لم تعد قاصرة على الصغار، فالكبار يستعيدون ذاكرة الطفولة بهذه المناسبة الشعبية.
ملابس ليلة القرقيعان
كان لتلك الليلة في الماضي، ثياب مخصصة يرتديها الأطفال والنساء، والتي من بينها المخنق أو البخنق وهو ثوب للفتيات الصغيرات وغير المتزوجات، وهو غطاء أسود للرأس يتكون من قطعة قماش من الحرير الأسود الشفّاف من الشيفون أو الجورجيت أو التل، وتلتقي إحدى زاويتيها بالأخرى وتخاط حتى لا تبقى إلا فتحة صغيرة بمقدار الوجه وتطرّز بخيوط الحرير وأسلاك الذهب أو الفضة من الأمام وحول الرأس.
في حين يلبسن السيدات ثوب النشل، وهو ثوب واسع من الحرير المطرز وجرت العادة أن تلبسه النساء المتزوجات فقط، كما كان الرجال يهتمون بلبس الثياب الجديدة.
كما كانت للمنازل والشوارع نصيبها من احتفالات ليلة القرقيعان في محافظة القطيف، فيقوم الأهالي بتزيين منازلهم بل يمتد الأمر الى تزيين شوارع المنطقة التي تشهد ازدحاماً لافتاً في هذه الليلة، بالزينة الملونة والأنوار المضيئة، فتنصب الأقواس من سعف النخيل وترفع لافتات التهاني، ويتم توزيع الحلوى على السيارات والمارة، ويعطرونهم بالبخور ويرشوا أيديهم بماء الورد، كما ترتفع في الشوارع أصوات مكبرات الصوت بالأناشيد المتعلقة بالمناسبة وهي كثيرة ومنوعة.
الأناشيد الشعبية للقرقيعان
لا تكتمل ليلة القرقيعان من دون أناشيدها الشعبية التي يرددها الأطفال على مسامع أصحاب المنازل التي يطرقون أبوابها.
ولعل أشهر ما يردده الأطفال “قرقع قرقع يا قرقيعان.. أم قصير وارميضان، أعطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم”، ومنها أيضا: “ناصفا حالاواه كريكشون.. حلو الجيس إعطونا وإعطونا.. لو ما أم الفضل ماجينا ماجينا ماجينا.. ناصفه حالاوه حلو الجيس واعطونا”، ويكتفي بعض الأطفال بترديد التهاني العادية للمناسبة.
كما ينشد الأطفال في البحرين حيث يسمى “القرقعون” وفي دول الخليج “قرقع قرقعون.. عطونا الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم، يا مكة يا معمورة.. يا أم السلاسل والذهب.. عطونا من مال الله.. يسلم لكم عبد الله، عطونا دحبة ميزان.. يسلم لكم عزيزان، يا بنية يا لحبابة.. أبوكي مشرع بابه، باب الكرم ما صكه.. ولا حط له بوابة”.
ويدعون لأصحاب البيت قائلين “كل سنة، وكل سنة.. على خير وسلامة”، كما يردد البعض بهذه المناسبة: “عطونا الله يعطيكم.. سلم الله أبو عيالكم”.
القرقيعان في الكويت
وفي الكويت تختلف أناشيد البنات عن أهازيج الأولاد، فللبنات أنشودة خاصة هي: “قرقيعان ـ وقرقيعان.. بيت قصير (المقصود شهر شعبان) ورمضان.. عادت عليكم صيام.. كل سنة وكل عام.. يا ألله سلم ـ ولدهم (ويذكر اسمه).. يا ألله خليه لأمه.. عسى البقعة (المصيبة) لا تخمه.. ولا توازي على أمه.. أعطونا الله ـ يعطيكم.. بيت يوديكم.. يا مكة يا المعمورة.. يا أم السلاسل والذهب والنورة”.
أما الأولاد فيرددون أهزوجة قصيرة جداً هي: “سلم ولدهم يا ألله.. خليه لأمه يا ألله”، ويكون ذلك في بداية طرقهم للأبواب فيدخلهم أصحاب البيت ويذكرون لهم اسم الصغير ولنقل عبدالله مثلا فيردد الأطفال “خل عبادي يا لله.. خله لأمه يالله”.
بينما في الإمارات العربية المتحدة فإن كرنفالها هو ليلة النصف من شعبان وطريقة الاحتفال تتشابه مع بقية الدول، وقد يردد الأطفال أهزوجة تختلف نظماً تقول بعض كلماتها: “انطونا حق الله.. يرضى عليكم الله.. جدام بيتكم دله.. عسى الفقر ما يدله”.
وهم أيضاً يحصلون على الحلوى، وإذا لم يرد عليهم أصحاب الدار يقولون له “جدام بيتكم طاسه.. وعجوزكم محتاسه”.
وفي العراق يطلقون على تلك الليلة اسم “الماجينا”، وأهزوجتهم هي: “ماجينا يا ماجينا.. حلي الكيس وانطينا.. انطونا الله ينطيكم.. بيت مكة يوديكم”، وإذا طال الوقوف ولم يخرج إليهم صاحب المنزل يصرخون بأعلى أصواتهم: “يا أهل السطوح.. تنطونا لو نروح”.