تطورات متتالية شهدتها الساحة الاقتصادية العالمية منذ دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للمكتب البيضاوي في ولايته الثانية، بدأ من التعريفات الجمركية التي فرضها على دول عديدة من بينها الصين والمكسيك وكندا، كان لها تأثيرها على الأسواق العالمية صعودا وهبوطا.

ويبدو أن الأيام حبلي بالقرارات والمفاجآت، فقد وقع مؤخرا ترمب أمرا تنفيذيا يوجه وزارتي الخزانة والتجارة الأميركيتين بإنشاء صندوق ثروة سيادي، مشيرا إلى أن الصندوق قد يشتري تطبيق “تيك توك”.

فما هو صندوق الثروة السيادية ولماذا ينشئه ترمب حاليا؟ يتم إنشاء صناديق الثروة السيادية للاستثمار في المصلحة الوطنية، وعادة ما يتم تمويلها من قبل الدول الغنية بالموارد الطبيعية، حيث قالت صحيفة الجارديان البريطانية أنه من غير الواضح كيف يمكن لصندوق أمريكي أن يعمل أو يتم تمويله.

وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب على أمر تنفيذي يوجه وزارتي الخزانة والتجارة الأميركيتين لإنشاء صندوق ثروة سيادي. وسيقود الجهود وزير الخزانة سكوت بيسنت وهاوارد لوتنيك المرشح لمنصب وزير التجارة.

وقال ترمب أثناء توقيعه على الأمر من المكتب البيضاوي يوم الاثنين: “لدينا إمكانات هائلة. أعتقد أنه في فترة قصيرة من الزمن، سيكون لدينا أحد أكبر الصناديق.

ما هو صندوق الثروة السيادية وما هي وظيفته؟ صناديق الثروة السيادية هي أدوات استثمارية تملكها الدول. وتعمل أغلبها كحساب استثماري، أو كأداة تنمية، أو مزيج من الاثنين.

وهي مصممة لتكون بمثابة صندوق استثماري، يسمح بنشر الأموال الحالية بطريقة تعود بالنفع على الأجيال القادمة. على النقيض من صناديق التقاعد حيث يسحب الناس الأموال لتلبية احتياجاتهم الخاصة من الإنفاق، من المفترض أن تستثمر صناديق الثروة السيادية لصالح الأمة.

ولكن صناديق الثروة السيادية تستثمر أيضًا في المنتجات المالية وشراء حصص في الشركات، والتي يمكن أن توفر فوائد مالية في المستقبل وتمويل ميزانيات الحكومات أو البرامج الاجتماعية.

هناك أكثر من 90 صندوقًا من هذا القبيل في جميع أنحاء العالم، تدير أكثر من 8 تريليون دولار من الأصول، وفقًا للمنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية. ومن الأمثلة المعروفة صندوق الاستثمار العامة السعودي، ومؤسسة الاستثمار الصينية، وصندوق التقاعد الحكومي النرويجي.

كيف يتم تمويل صندوق الثروة السيادية؟ عادةً ما يتم تمرير بعض أو كل فائض ميزانية الدولة إلى صندوق الثروة السيادية، والذي يمكنه بعد ذلك استخدامه في استثمارات جديدة.

قد تم إنشاء العديد من الصناديق من قبل الدول ذات صناعات تصدير السلع الأساسية القوية، وغالبًا ما تكون عائدات مبيعات النفط والغاز الطبيعي والمعادن من قبل الشركات المملوكة للدولة وراء صناديق الثروة السيادية.

يتم تمويل حوالي 60٪ من الصناديق من عائدات الموارد الطبيعية، وفقًا لـ IFSWF. لم يقدم ترمب سوى القليل من التفاصيل يوم الاثنين حول كيفية عمل الصندوق الأمريكي أو كيفية تمويله.

قال وزير الخزانة سكوت بيسنت للصحفيين إن الخطة كانت تسييل الأصول المملوكة حاليًا للحكومة الأمريكية “للشعب الأمريكي”.

كما قال الرئيس سابقًا إن العائدات المكتسبة من الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية يمكن أن تشكل الأساس لصندوق الثروة. لماذا لم يكن لدى الولايات المتحدة صندوق ثروة من قبل، ولماذا الآن؟ توجد صناديق الثروة السيادية بشكل عام في البلدان التي لديها احتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي، مثل الصين، أو عائدات من بيع النفط أو السلع الأساسية الأخرى، مثل النرويج والمملكة العربية السعودية.

ومع ذلك، كانت الولايات المتحدة تدير عجزًا في الميزانية باستمرار في السنوات الأخيرة. في الواقع، هناك بعض الولايات الأميركية التي لديها صناديق ثروات أصغر حجماً، والتي يتم تمويلها عموماً من السلع أو الأراضي. وأكبر هذه الصناديق هو صندوق ألاسكا الدائم، الذي بدأ في عام 1976، والذي يدير حالياً نحو 82 مليار دولار.

ولكن حجم قطاع الاستثمار الخاص الأميركي في وول ستريت وخارجها كبير إلى الحد الذي يسمح لمديري الاستثمار وشركات الأسهم الخاصة المختلفة بإدارة مجموعات ضخمة من رأس المال.

وهذا من شأنه أن يقلل من الحاجة إلى رأس المال وتوافره لإنشاء صندوق ثروات سيادي، في غياب الإرادة السياسية.

وكان بيسنت قد قال إن صندوق الثروة السيادية الأمريكي سيتم إنشاؤه في غضون 12 شهرًا. أثناء حملته الانتخابية في سبتمبر، اقترح ترمب إنشاء صندوق لتمويل “المساعي الوطنية العظيمة”، بما في ذلك مشاريع البنية التحتية مثل الطرق السريعة والمطارات والتصنيع والبحث الطبي.

كما اقترح ترمب، دون تقديم تفاصيل، أنه يمكن استخدام الصندوق للحفاظ على تشغيل تيك توك في الولايات المتحدة. يعمل تيك توك حاليًا بسبب تمديد منحه ترمب لإطالة الموعد النهائي للبيع القسري أو الإغلاق.

ما مدى حجم صندوق الثروة السيادية الأمريكي؟ لم يذكر ترمب حجمًا أوليًا أو مبلغًا مستهدفًا لصندوق الثروة السيادية الأمريكي. ومع ذلك، عندما تحدث عن الموضوع في سبتمبر، قال إن صندوق الثروة السيادية الأمريكي يجب أن يقترب من 2 تريليون دولار أو يتجاوزها.

وحاليا، أكبر صندوق من هذا النوع هو صندوق التقاعد الحكومي العالمي في النرويج بأصول تبلغ 1.74 تريليون دولار، يليه مؤسسة الاستثمار الصينية بأصول تبلغ 1.33 تريليون دولار، وفقا لمعهد صناديق الثروة السيادية، وهو مزود للبيانات. وقال المعهد إن أبوظبي والكويت والمملكة العربية السعودية وسنغافورة من بين الدول التي لديها صناديق ثروة سيادية بارزة، بأصول تتراوح بين 801 مليار دولار و1.06 تريليون دولار.

وفيما يلي بعض الأمثلة البارزة لدول أخرى لديها صناديق ثروة سيادية وكيفية استخدامها. النرويج: تمتلك النرويج صندوق ثروة سيادية بقيمة 1.7 تريليون دولار وهو الأكبر في العالم. يستثمر عائدات النفط والغاز في البلاد في الأسواق المالية، بما في ذلك الأسهم في الشركات الأجنبية. يتم تمويل حوالي خُمس ميزانية الحكومة من الدخل من صندوق الثروة السيادية.

الصين: تمتلك الصين صندوق ثروة سيادية بقيمة 1.3 تريليون دولار. يستثمر في التوسع الحضري في إفريقيا، ومبادرة الحزام والطريق، وأسواق الطاقة العالمية، بما في ذلك العديد من أصول الطاقة المتجددة الأجنبية. يستخدم الصندوق لدفع جزء من ميزانية الحكومة.

دولة الإمارات العربية المتحدة: تمتلك أبوظبي، صندوق ثروة سيادية بقيمة تريليون دولار. ولا يكشف عن استثماراته المحددة ولكنه قال إنه يستثمر في فئات أصول واسعة مثل الصناديق المرتبطة بالمؤشرات والأسهم الداخلية والخارجية والخاصة والدخل الثابت والخزانة وغيرها.

المملكة العربية السعودية: تمتلك المملكة العربية السعودية صندوق ثروة سيادية بقيمة 925 مليار دولار. وهو يستثمر في شركات سعودية عامة وخاصة بالإضافة إلى الاستثمارات الدولية.

ويدعم الصندوق المشاريع التجارية مثل مصافي وصناعات البترول وخطوط الأنابيب والتخزين والنقل والطاقة وغيرها من المشاريع المهمة للاقتصاد السعودي.